الأحد، 12 أبريل 2009

جماعة أقباط الميترو..!؟ بقلم الصحفي المصري: أسامة عبد الرحيم

جماعة أقباط المترو ..!
*قصة: أسامة عبد الرحيم
*
اندفعت سيدة مصرية تشق طريقها وسط كومة من البشر في مترو الأنفاق؛ متلهفة إلى مقعد يقيها مضايقات الزحام، عبثاً نظرت يمنة ويسرة عن أملها المفقود ولكن هيهات أن تعثر على " إبرة " في كومة آدميين مكتظة.
استكانت السيدة المصرية التي تدلي "الصليب" من عنقها يعلن بصراحة شديدة عن معتقدها، الذي كفل لها الخالق سبحانه حرية اختياره؛ ولو شاء لجعلها ونحن معها أمة واحدة فقال جل شأنه: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " سورة هود.
وقفت السيدة القبطية وعلى جانبيها بنتاها اللتان تتراوح أعمارهما بين الـ13 والـ14 عاماً، وكأي أم تحفزت متنمرة في وقفتها ضد من تسول له نفسه لمضايقة إرثها من الحياة، بجوارهم وقف زوجها الذي كشفت ملاح وجهه المتغضن أنه قطع الشوط الخمسين من مضمار العمر بجدارة.
لم تستغرقني مراقبة الأسرة القبطية أكثر من ذلك، فانتزعت نفسي من مكاني الذي نلته بصعوبة بالغة وسط هذه الأجساد التي نال منها الكد والتعب طوال النهار، ولأن الزوج كان هو الأقرب للمكان الذي أجلس فيه فقد ربت على كتفه برفق؛ فالتفت الزوج مندهشاً وحملق في لحيتي التي اجتهدت في تهذيبها جيداً على نحو يجمع بين إصابة السُنة وما يروق الناظرين..!

غادرت مكاني مفسحاً الطريق للمصرية القبطية لتجلس وتحشر بجوارها إحدى ابنتيها وتجلس الأخرى على حجرها وقد تنفست الصعداء، ووجهت الأم القبطية لي الشكر مراراً على ما تعتقده جميل غريب وغير معهود من قبطي مسلم "متطرف"..!
أما قبطيتي مع كوني مسلماً فتلك حقيقة تاريخية مثبتة بالدليل والبرهان، حيث أن كلمة "قبطي" مشتقة مباشرة من الكلمة العربية " قبط "، وهذه بدورها مشتقة من الكلمة اليونانية "أجيبتوس " ، بمعنى مصري.
وهاتان الكلمتان " قبطي" و "مصري" لهما نفس المعنى ومشتقتان من نفس المصدر، ويتداخل المصطلحان، ومع ذلك لا يوجد تباين في استعمالهما .
ولما فتح المسلمون القادمون من شبة الجزيرة العربية عام 641 م مصر وقد ذكرت في القرآن على هذا النحو، أطلق المسلمون على السكان المحليين أسمهم اليوناني (إي-جبت-ايوس)، وحيث أن جميع سكان مصر كانوا نصارى فقد استعمل المسلمون الفاتحين كلمة " قبط " للإشارة إلى كل المصريين.
وعندما تحول هؤلاء المصريون تدريجياً إلى الإسلام، لم يظلوا قبطاً متحفظين بنصرانيتهم بطبيعة الحال، وصار الأقباط بعد تحولهم إلى الإسلام جزءا من الأمة الإسلامية، وتم التفريق بينهم وبين بني جلدتهم عن طريق منحهم مصطلح "مسلمين" أو"مصريين"، وبذلك تم تضييق مصطلح " قبطي " ليشمل فقط أتباع الكنيسة المصرية دون المسلمين الجدد.

ودليل ذلك أن كتب التاريخ تشير: أن إثيوبيا حتى سبعينيات القرن الماضي تتبع بطريرك الإسكندرية، وكان أتباعها يسمون أيضا أقباطاً سواء في إثيوبيا أو في المغرب وهم ليسوا مصريين على الإطلاق طوال قرون عديدة.
إذن نحن الآن متفقين على قبطيتنا سواء أكنا مسلمين أو نصارى، ومتفقين أيضاً على حرية المعتقد؛ حيث أنها حق فطري للناس ـ كل الناس ـ لأن الله سبحانه حين خلق للإنسان العقل والإرادة وأودع فيهما القدرة على العمل فقد أودع فيه حقيقة الحرية وخوله استخدامها بالإذن التكويني المستقر في الخلقة.
والقبطي سواء كان مسلماً أو نصرانياً لابد أن تتحلى حريته بضوابط حتى لا تتجاوز تلك الحرية الخط الأحمر الذي يقوده إلى إلحاق الضرر بنفسه أو بغيره، فهاهنا فقط تتوقف الحرية حتى لا تصطدم بحرية الآخرين.
وكثيراً ما تعرض المجتمع البشري، نتيجة سوء استعمال الحرية، إلى آفات وكوارث لحقت بالأفراد والجماعات، فاقتضت حكمة الله تعالى رحمة بالناس جميعاً أن يضع الموازين بالقسط لحرياتهم.
فشرع الله لهم الشرائع وأرسل إليهم الرسل كي يرشدوهم إلى طرائق السير بحرياتهم، وطالب الحكماء والمرشدين ـ عبر العصور ـ أن يسهروا على تطبيق استعمال الحريات في إطارها القوي السليم حتى تستقيم أحوال الناس جميعاً ويطمئن كل منهم إلى صون حريته من انتقاصها أو مصادرتها.
وأهم الحريات التي منحها الله عبر تعاليم الإسلام حرية المعتقد، فقد صانها الإسلام، إلا ما كان منها منافياً لكرامة البشر وكرامة العقل مثل عبادة الأوثان.
وقد أتاح للنصرانية أن تعيش في ظل دستوره الخالد "لا إكراه في الدين"، ودعا على أساسه النصارى إلى دينه فإن قبلوه دخلوا في الإسلام، وإن رفضوه لم يكرههم على شيء، وإنما سألهم أن يعطوا الجزية وهي مقابل خدمة حماية المسلمين لهم ودفاعهم عنهم في الحروب.
ولخشية الرسول صلي الله عليه وسلم ورحمته العامة بغير المسلمين؛ خشي أن يأتي زمن يشتط بعض المسلمين على غيرهم، وأن تسول لهم أنفسهم التضييق على النصارى، فنهى أتباعه عن إيذاء الذميين منذراً من يتجاوز ذلك بالقول: "من آذى ذمياً فقد آذاني".

وليس أدل على هذه الحرية الكاملة، في أن الإسلام لم ينصف الناس على أساس معتقداتهم وإنما على أساس كفاءاتهم كما قول ـ المستشرق ـ آدم ميتز: (لقد قلد ديوان جيش المسلمين لرجل نصراني مرتين في أثناء القرن الثالث)، ومن المعلوم أن القرن الثالث هو العصر الذهبي بالنسبة لانتصار الإسلام.

ولعل من أبرز الأمثلة على الحرية الكاملة للنصارى في ظل الإسلام، ذلك السلوك العملي الذي سلكه خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي دخل بيت المقدس وزار كنيسة القيامة ولما حان وقت الصلاة لم يجد مكاناً يؤدي الفريضة فيه إلا الفسحة الواقعة أمام مدخل الكنيسة فصلى فيها، والله تعالى يقول: (أينما تولوا فثم وجه الله) ولما سأله البعض: لماذا لم تصل داخل الكنيسة؟ أجاب: إنه كان باستطاعتي أن أصلي داخل الكنيسة، ولكني خشيت إن فعلت أن يأتي يوم يطالب فيه المسلمون بالمكان الذي صلى فيه عمر ويجعلونه مسجداً.

إلا أن هذه الحرية التي كفلها الإسلام للأقباط النصارى يجب أن يقابلها التزام كامل بضمان أمن هذا الوطن (مصر) التي تقلنا أرضها وتظلنا سماؤها، فلا يعقل أن ينال أحد الطرفين حريته كاملة فيختار معتقده آمناً مطمئناً، ثم هو في نفس الوقت يحجر على هذه الحرية ويتم تصفية المسلمين الجدد كما حدث في منطقة الأميرية بالقاهرة.

حيث فوجئ أهالي هذه المنطقة الآمنة بمجهولين يفصلان التيار الكهربائي، أحدهما يطلق الرصاص من سلاح آلي علي شاب وزوجته وطفلتيهما، ويلوذان بالفرار.
أصيب الزوج بـخمس طلقات وفارق الحياة في الحال، وأصيبت الزوجة بطلقتين واخترقت رصاصتان جسد الطفلة الصغيرة، ودلت تحريات الشرطة الأولية علي أن الزوجة كانت قد أسلمت منذ 3 سنوات، وحاولت أسرتها خطفها وهددوها وزوجها بالقتل منذ أشهر، فيما أكد شهود عيان بالشارع الذي تمت فيه الجريمة أن شقيق الزوجة "رامي عاطف خلة"هو الذي نفذ الجريمة البشعة.

وقبل أن يقول احدهم أن هذه حالة فردية تخص مرتكبيها نذكر بملف القبطية الأسيرة التي أسلمت وفاء قسطنطين، فقد تفجرت مفاجأة من العيار الثقيل – لم تتأكد صحتها بعد - حيث كشف مراقبون أن السيدة وفاء قسطنطين قتلت في دير وادي النطرون مقر اعتقالها من قبل الكنيسة، لأنها رفضت أن ترتد عن الإسلام.
والمعروف أن السيدة وفاء قبطية اعتنقت الإسلام ثم أجبرت بعد التهديد على الارتداد إلى النصرانية وانتقلت إلى دير وادي النطرون نهاية عام 2004 بناء على أوامر البابا شنودة الثالث ولم تعد لبلدتها مرة أخرى.

وتراكمت البلاغات الرسمية أمام النائب العام تطالبه بالتحقيق في واقعة اختفاء السيدة وفاء قسطنطين وأخريات اعتنقوا الإسلام طواعية وبمحض حريتهم، كما طالبت بخضوع دير وادي النطرون للتفتيش الصحي والقضائي والأمني والأهلي لمعرفة مصير المحتجزين داخله وهل هم على قيد الحياة أم تم تصفيتهم كما تقول الشائعات،خاصة وان الكنيسة وعدت بظهور وفاء قسطنطين علي قناة ( اغابي) التابعة للكنيسة لدحض الشائعات ولكنها تراجعت عن وعدها مما عزز من صحة تلك الشائعات .

مكمن الخطورة ومبدؤها أنه انطلقت مؤخراً على الإنترنت ومن خلال غرف الفيس بوك دعوة لاقت رواجاً كبيراً تدعو إلى مقاطعة الشركات والمنتجات القبطية النصرانية؛ حتى تكشف الكنيسة ستار الغموض عن مصير الأسيرات المسلمات الجدد داخل الأديرة.

فجأة ارتج المترو وصرخت عجلاته الحديدية تتحرك وهى تحملنا جميعاً، وانخرط كل راكب بهمه الشخصي، في حين ألح على ذهني هم واحد لم يفارقني، أليس ثمة ما يجمعنا نحن جماعة أقباط المترو مسلمين ونصارى، بعد أن أغلقت الأبواب وحيل بيننا وبين الخروج حتى نصل وجهتنا بسلام وصرنا نسيجاً واحداً شاء من شاء وأبا من أبا.


أليس سلامة العربة التي تقلنا من سلامتنا جميعنا، هل لو انقلب المترو – لا قدر الله- أو ارتطم بجدار الجهل أو الغرور أو الدس الأجنبي، أو هذا كله مجتمعاً واختلط الدم بالدم واللحم باللحم، سنفكر حينها في فرز قطع اللحم المختلط هذا قبطي مسلم وذلك قبطي نصراني، أم أن الجميع أقباط مصريون جمعهم المترو في جماعة واحدة..!

* أسامة عبد الرحيم صحفي مصري

* ملاحظة إلى الأخ أسامة عبد الرحيم
القاعدة: هي أن العدل أساس الملك، وبما أن الدول الحديثة قد اعتمدت دساتيرها وقوانينها الحديثة على أساس المواطنة المدينية في الواجبات والحقوق (على تعدد تفسيرات المواطنة)، ذلك طبعا (بمعزل عن امتياز الانتماء الديني أو العنصري كما هو مطبق في مصر وغيرها من الدول الإسلامية)، فلسنا نرى وجوب أي إشكال في حدوث بما لا يرضي الله ودينه، كما الحوادث التي ذكرتها، فهل النصارى في مصر لهم نفس الحقوق؟ أم تطالهم يد القضاء وقوانينه مثلاً إذا حدث عكس ما ذكرته (أي إن تزوج نصراني بمسلمة)؟ّ
كما نود أن نشير إلى أن المسألة لربما ليست دينية صرفة كما ذكرت؛ فعادة الإقتصاص والأخذ بالثأر من أبناء العشيرة، لم تزل سائدة بين الأوساط المصرية والعربية على السواء وتطبق على كل من يخرج عن أحكام العشيرة أو العائلة من أبنائها وتحسب على المرأة جرائم شرف.
* لذا نرجو التنبه إلى ذلك حين تناولك مثل هذه المواضيع أخ أسامة؛ هذا دون أن نبخس حقك في فعل الخير الرحيم وثوابه كما فعلت، هداك الله.

http://soffanieh.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق