الاثنين، 3 مايو 2010

أين العذراء تقدس اسمها؟ من الأكاذيب (زيت الصوفانية وشفاءات التيس الحلاب) - الد. أحمد برقاوي



حكاية زيت الصوفانية، وحكاية حليب (التيس الحلاب) الشافي وغيرها، أكاذيب انتشرت، وموضوعاتها راجت، وعنها يضرب الأكاديميون المثل؟!

تصديق الأكذوبة وانتشارها

معاً على الطريق - جريدة الثورة

الثلاثاء 6-4-2010م

د. أحمد برقاوي

كتبنا مرة عن الأكذوبة الكذّابة، وعرضنا لهذه المفارقة، شخص هو أكذوبة ويكذب، هو أكذوبة من حيث اعتقاد جمهور من الناس بأهميته الفكرية، ويكذب من اجل استمراره أكذوبة.

ولكن كيف تنتشر الأكذوبة ويصدقها الناس، ومتى تنكشف، إن الأمر لا يعدو كونه (إشاعة) كأي إشاعة من الإشاعات.‏

هل يذكر الشارع السوري إشاعة (التيس الحلاّب) الذي يشفي حليبه جميع الأمراض، فلقد انتشرت الإشاعة في كل أنحاء سورية وذهب الكثيرون للتداوي بحليب التيس إلى مدينة في شمال شرق سورية لم أعد أذكرها.‏

أو إشاعة (الصوفانية) حيث صورة العذراء ينز منها الزيت.‏

حين دخولنا قسم الفلسفة كنا على أحر من الجمر في انتظار دخول الأستاذ الذي سبقته الشهرة، فلقد شاع عنه أنه - فطحل وفحل وعبقري - وحين دخل تملكتنا الرهبة .‏

وبعد محاضرتين أو ثلاث خالجنا الشك في ذلك، وفي نهاية العام لم يبق منه أثر، فلقد تبددت هذه الإشاعة ورحنا نسخر منه، لكن أحداً ممن لا يعرفه شخصياً لم يكن ليصدق ما نصفه به.‏

لم يكن يفعل سوى أن يفتح الكتاب ويستمع إلى من يكلفه بالقراءة منا، وحين نسأله سؤالاً يحتاج إلى شرح يتجاهلنا، لكن الأكذوبة ظلت منتشرة إلى هذه اللحظة.‏

البشر يتناقلون الإشاعة فتنتشر، الإشاعة لا أصل لها معروفاً، فتمتلك قوة الاستمرار وقوة الصمود أمام الحقيقة، فالأكذوبة - الإشاعة تهزم الحقيقة إلى زمن طويل.‏

مصدق الإشاعة جاهل بالإشاعة، بحقيقتها لو أنه يعرف لما صدقها، فمنطق انتشار الإشاعة منطق تأكيدها عند عدد كبير من الناس، صار إجماع الناس عليها معيار صدقها.‏

كثيرون يعتقدون ويرون أن هناك بيتاً في دمشق مسكون بالأشباح، لم تلتق بأحد دخل البيت وخرجت الأشباح في استقباله، يحدثك المصدّق بـ : ( يقولون)، من هؤلاء الذين يقولون لا أحد يعرف، الإشاعة منتشرة - إنها أكذوبة ولا شك - لكن تصديقها من قبل الأكثرية حولتها إلى أكذوبة صادقة، أجل أكذوبة يصدقها الناس.‏

ما ينطبق على هذه القصص ينطبق على الأفراد، والإشاعات السياسية وغير السياسية، ينطبق على إشاعات المدح والقدح، والقصص التي لا أصل لها والقصص المزيدة والمنمقة.‏

وإذا كانت الإشاعات والأكاذيب هذه حالها داخل مجتمع من المجتمعات، ما بالك بحال الأكاذيب التي تشاع عن الأمم وأخلاقها وعاداتها، فأي قوة قادرة على دحضها وتبيان زيفها.‏

فحين كنت طالباً في الاتحاد السوفييتي سألني أكثر من شخص السؤال التالي: أحمد هل صحيح أنكم أنتم العرب تتزوجون من أخواتكم ، كان مجرد سماع السؤال يثير غضبي ، وكنت طبعاً أنفي بشدة هذه الإشاعة السخيفة.‏

ولكن ما الذي جعل إشاعة كهذه تنتشر ومن ألفّها ! تبين لنا فيما بعد: أن ابنة العم في اللغة الروسية هي أخت بالقرابة، ومن المستحيل على الروسي أن يتزوج أخته بالقرابة، فيما العربي يفعلها، فصار يعتقد أن العربي يتزوج من أخته.‏

وقس على ذلك.‏

ويبدو لي أن الناس يسعدون بالأكاذيب ويسعدون بتناقلها، وخاصة لدى الذين لا شغل لهم سوى الإشاعات والأكاذيب.‏

· الرد على الد. أحمد برقاوي حول موضوع تصديق الأكذوبة وانتشارها:

نشكر الأستاذ الد. أحمد برقاوي: فهو في مختصر من العبارات وقليل من الكلمات، يعالج أعقد الأمور، كما في مقاله الأسبوعي أعلاه (معاً على الطريق)، حيث تحدث عن تصديق الأكذوبة وانتشارها في المجتمعات عامة وفي المجتمع العربي، لكن أمرا خطيرا مضحكا ربما لا يود طرحه الد. برقاوي أو أنه يداريه: أن هذه الأكذوبة حتى يكون لها هذا الحظ من الانتشار كأكذوبة (حي الصوفانية) لا بد لها من مروجين على قدر من الجدية الأكاديمية وإن كانت وهمية، كما أشار السيد الدكتور، وهؤلاء اتفقت مصالحهم مع غيرهم على نشرها وإسنادها بالتبريرات، ولربما صنعوها للارتزاق وارتزقوا، وكي لا ينفضح أمرهم بشأنها صاروا أسيرين استمرارها، فيعمدون إلى المزيد من الدعاية لها بمزيد من ألأكاذيب المساعدة ينشرونها حولها ليدعموا ثباتها وبقائها وأيضا لترويجها لأن في الترويج لها، استمرارها؟ مثلها مثل أي سلعة، لكن خطورتها بأن يترسخ موضوعها كيقين لدى الخاصة والعامة وأن لا فرق بين الكذبة والحقيقة، كما ينعدم الفرق بين الواقع والخيال ,وهذا في مفاعيله له شأن جد خطير.. إذ تصبح الحقائق الموضوعية اليقينية مطروحة للنقاش وبحاجة إلى كم من التهويمات الإعلامية كي يصدقها الناس؟ -(ما الرأي إذا انتشرت إشاعة باختفاء فلسطين، وأن البعض من العارفين المتفق على أنهم ثقاة (كالمرحوم زميله المقدسي) يؤكدون أن باتصالهم السماوي قد رأوها في السماء وأنها بإرادة الله القدير انتقلت إلى هناك تقدست وتخلصت من الأرجاس والأنجاس ولم يعد على الفلسطينيين عبء القتال لاسترجاعها وأن ما هو موجود ومشاهد عيانا على أرض الخطيئة إنما هو أرض أخرى غير فلسطين وأن على الفلسطينيين واجب في موت آخر موت استشهادي (أي عبثي) للالتحاق بها والتقدس على أرضها هناك)-، نعيد التأكيد بأنها أمور بالغة الخطورة نرجوا أن يتطرق إليها الد. برقاوي بمزيد من التوسع وشكرا.

هدى

http://iframalsiriani.jeeran.com/

http://soffanieh.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق