الجمعة، 14 مايو 2010

* "قتله الموت فقتل الموت" بقلم: ريتا جحا


"قتله الموت فقتل الموت"

بقلم: ريتا جحا

لم يزل في لاهوت الصليب الحل والجواب لمعضلة الشقاء والألم في الحياة الإنسانية لأن اللاهوت المنطلق من اختبار الألم والعذاب الإنساني "ليس قائماً على الحدود بل في قلب الوجود البشري وعمقه".. وما نختبره من ألم ينبع مما نحن فيه من حالٍ غير مكتملة يجعلنا ندرك ولو ضمناً وجود الكامل والتام (الله), فنتوق بكل ما فينا للخلاص من هذا الواقع، وكأننا معدون مسبقاً للخلاص, حيث أنه "بالتدقيق نختبر في شقائنا عظمتنا" (باسكال).. فتلتقي بهذا مسألة الله مع الخلاص, و يأتي الجواب المسيحي من خلال يسوع المسيح (صليب المسيح) كمكانٍ تطرح فيه مسألة الله في وجه الشر والألم بشكلٍ ملموس.

فالصليب ليس شيئاً ثانوياً مضافاً لتجسد المسيح وحياته على الأرض بل هو غاية هذا التجسد, فالأناجيل بحسب (كالر)هي "روايات الآلام مع مداخل مفصلة".

ومن خلال لاهوت الصليب والفهم العميق لما في الصليب من فعل تسليم الابن لذاته للآب وللكثيرين ينطلق الفكر المسيحاني الكريستولوجي وتظهر بقوة مسيحانية التلاشي (لاشى ذاته) التي أظهرها بولس في نشيده الكريستولوجي في فيليبي 2: 6-11

"هو القائم في صورة الله

لم يعتدّ مساواته حالةً مُختلسة

بل لاشى ذاته آخذاً صورة عبد

صائراً شبيهاً بالبشر

فوجد كإنسان في الهيئة

ووضع نفسه و صار طائعاً حتى الموت

موت الصليب".

لقد أكمل الآباء هذا الفهم المسيحاني القائم على افتقار الله وعطائه غير المحدود في تخليه ومشاركته لألم الإنسان حتى الموت فيقول إغناطيوس الانطاكي: "غير الزمني, وغير المرئي الذي صار مرئياً لنا, و غير المدرك, و غير المتألم الذي صار قابلاً للألم لأجلنا".

إن مسألة ألم الله شغلت فكر الآباء وكان الحل عند اوريجانوس نابعٌ من أعمق ما في طبيعة الله وهي حريته في المحبة "تألم أولاً ثم نزل, وما هو الذي تألم منه لأجلنا,

ما هو ألمه؟ المحبة هي الألم"!..

ولكن هل تألّم الله وعجزه, هما تعبير عن النقص, كما الكائنات المحدودة؟

الأكيد أن الله عندما يتألم, يتألم بطريقته الإلهية أي أنه بحريته يرضى أن يناله الألم, وألمه ليس نقصاً كما الكائنات الأخرى بل هو فيضٌ من محبةٍ تحب بحرية ومن حرية بالمحبة.

وتألم الله بمحبته الطوعية يلغي عجزنا أمام الألم ويحررنا من هذا الواقع القدري للألم, لا بإلغاء الألم بل بتحويله من الداخل وإعطائه معنى خلاصي يغمره الرجاء .

لأنه، مع المسيح بولوجه الموت والعذاب دون أن يهلك, بل بغلبته الموت؛ أنقذنا من موتنا, فهو تألم مع الإنسان من أجل قيامة الإنسان, ومن مسيحانية التلاشي إلى مسيحانية التعظيم والتمجيد الفصحية, فننشد مع اغسطينوس نشيد الصليب "قتله الموت فقتل الموت"

http://iframalsiriani.jeeran.com/

http://soffanieh.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق